الجانب الآخر من الإنسان

بواسطة: اداراة الموقع

الجانب الآخر من الإنسان:

يخفي الإنسان في داخله بابًا موصدًا، لا يُفتح إلا تحت ضغط الوجع، أو في لحظة خيانة لا تُغتفر، أو في غسق الوحدة حين تُطفأ الأنوار وتتكشّف الأرواح. هذا الباب لا يؤدي إلى نور، بل إلى الجانب الآخر منه، الجانب الذي لا يبتسم في الصور، ولا يظهر في المجالس، ولا يُحكى عنه في السيرة.

ذلك الجانب. الغامض المختبئ في ملامحنا، لا يملك أنيابًا، بل يملك خيبة، ونظرة فارغة، وصرخة مكبوتة في حنجرة لا تصرخ. هو نحن حين نُخذل، حين نُظلم، حين نُكذب، لأن الحقيقة أثقل من الاحتمال. في عالمنا الذي نعيش فيه بين الناس، نرى كيف أن البشر يتبدّلون كالفصول، لكن لا فصل يُشبه فصلهم. فأحدهم يضحك لك، ولكن عينه تبكي من الداخل. وآخر يمدّ لك يده، لكنه يشتهي أن يراك تسقط. فالعالم نفسه تغيّر، حتى الهواء الذي نستنشقه صار مشبوهًا، كأن الغدر تبخّر في السماء. وكم من شخصٍ خدعنا بلطافته؟ وكم من فكرة صدّقناها لأننا خفنا أن نكون وحدنا؟ وكم من ابتسامة كانت ستارًا، وكم من حضنٍ كان فخًا؟ لهذا، نهرب… لا لأننا نخاف من الناس، بل لأننا عرفناهم جيدًا. ونزداد هرباً إلى العزلة، لا لنعيش وحدنا، بل لنتجنّب أن نرى ما لا نستطيع تغييره فيهم. فنهرب أيضاً إلى أن مكانٍ مرتفع قريباً من غيم السماء، لنبني لنا كوخاً ونسكن فيه وحيدين بلا أحقاد، ولا أحساد، ولا نفاق، ولا زيف. فالعزلة ليست هروبًا من جُبن، بل شجاعة، فالذين قرروا أن يصونوا أرواحهم من التلوّث.وأن يسمعوا صوت أنفسهم بعيدًا عن الضجيج، وأن ينقّوا داخلهم من “زيف العالم”. ففي العزلة نرى العالم كما هو خائفًا، مضطربًا، يُخفي أوجاعه خلف ناطحات السحاب والشاشات المضيئة.

وفي العزلة نعرف حقيقتنا أيضًا بأننا كنا طوال هذا الوقت، نهرب من الإنسان الذي في داخلنا. فالناس لا يخيفوننا حين يصرخون. بل حين يصمتون ويبتسمون في وجهك، وهم يزرعون الخنجر ليطعنون به ظهرك. والأخطر من العالم. هو الثقة العمياء في نواياه. فالذئب الذي ينام في داخلنا، لا يعضّنا بل يحرسك من الذئاب الأخرى.